ومن أكثر الرسائل الجذابة التى وجهها أب لابنته يوم زواجها يويها فيها خيرا كانت لأحد الحكماء قال فيها : ابنتى ..اليوم تنتقلين إلى يدين غريبتين .. فى هذه الليلة سيظللك سقف غريب فى بيت رجل غريب..فى هذه الليلة سأقف فوق سريرك النظيف فى بيتى فأجده خاليا من ثنايا شعرك الأسود الذى يفوح منه عطر الطهارة فوق وسادتك البيضاء.. وقد تنهمر الدموع من عينى لأول مرة فى حياتى ، فاليوم يغيب عن عينىّ وجه ابنتى .. ليشرق فى بيت الرجل الغريب الذى لا أعرفه حق المعرفة خيره من شره.
اليوم ينتقل شعورى وتنتقل أحاسيسى إلى أهل أمك يوم سلمونى ابنتهم و هم يذرفون الدموع .. كنت أظنها دموع الفرح أو دموع تقاليد أهل العروس .. و لم أعرف إلا اليوم أن ما كان ينتابهم هو نفس ما ينتابنى الآن .. و أن ما يعذبنى هذه الساعة كان يعذبهم ..وأن انقباض قلبى فى هذه اللحظة و أنا أسلمك إلى رجل غريب كان يداهمهم أيضا و صدقينى يا بنيتى إنه لو كان لى يوم تزوجت أمك شعور الأب لأفنيت عمرى فى إسعادها ،كما أحب أن يفنى زوجك عمره فى سبيل إسعادك.
ابنتى .. فى هذه اللحظة أندم على كل لحظة مضت ضايقت أمك فيها ..اليوم أجاوز الحاضر و أجابه المستقبل و أتمثلك واقفة أمامى تقولين "زوجى يضايقنى يا أبى" فماذا أفعل ؟ أسأل الله ألا ينتقم منى بك ، و الله غفور رحيم.
و الآن .. دعينى أضع أمام عينيك الحلوتين بعض النقاط التى يحسب الرجل أنها توفر له السعادة فى بيته الزوجى ..الرجل يا صغيرتى يحب الأمجاد و يتظاهر بالثراء و النجاح حتى و لو لم يكن ثريا قط ..فلا تحطمى فيه هذه المظاهر.. بل وجهيها بحكمتك و لطفك و حسن تصرفك ، و الرجل يا فلذة كبدى يفاخر دائما بأن زوجته تحبه ،
فاحرصى على إظهار حبك أمام أهله بصفة خاصة ..والرجل يفخر أمام أهله بأنه قد انتقى زوجة تحبهم و تكرمهم ..فاكرمى أهل زوجك ، و استقبليهم أحسن استقبال .
و بعد يا بنيتى .. إذا ثار زوجك فاحتضنى ثورته بهدوء ..وإذا أخطأ داوى خطأه بالصبر، وإذا ضاقت به الأيام فليتسع صدرك لتسعفيه على النهوض .. و لا تنسى أنك إكليل لزوجك .. بيدك أن يكون مرصعا بالدر و الياقوت على هامته ..أو أن يكون من الشوك يدمى رأسه و رأس أبيك ..إن لم تحافظى على شرفك له دون سواه .
بنيتى .. كونى له أرضا مطيعة يكن لك سماء ..وكونى له مهاداً يكن لك عماداً ..واحفظى سمعه و عينه ..فلا يشم منك إلا طيبا ولا يسمع منك إلا حسناً و لا ينظر إلا جميلاً ..و كونى كما نظم شاعر لزوجته قائلا :
خذى منى العفو تستديمى مودتى .. ولا تنطقى فى ثورتى حين أغضب
ولا تكثرى الشكوى فتذهب بالهوى .. فيأباك قلبى و القلوب تقلب
و أخيرا أسأل ربى أن يرعاك برضاه و أن يستقر لكما كل حبى .