الأمور التي تعين على الصبر على المصيبة بفقد الأحباب
الأمور التي تعين على الصبر على المصيبة بفقد الأحباب كثيرة منها ما يأتي:
الأمر الأول:معرفة جزاء المصيبة وثوابها: وهذا من أعظم العلاج الذي يُبَرِّد حرارة المصيبة، وتقدمت الأدلة على ذلك.
الأمر الثاني:العلم بتكفيرها للسيئات: وحطّها كما تحطّ الشجرة ورقها.
الأمر الثالث:الإيمان بالقدر السابق بها:وأنها مقدرة في أم الكتاب كما تقدم.
الأمر الرابع:معرفة حق الله في تلك البلوى:فعليه الصبر والرضا، والحمد والاسترجاع والاحتساب.
الأمر الخامس: أن يعلم أن الله قد ارتضاها له واختارها وقسمها:وأن العبودية تقتضي رضاه بما رضي له به سيده ومولاه، فإن لم يوفِ قدر المقام حقه فهو لضعفه، فلينزل إلى مقام الصبر عليها، فإن نزل عنه نزل إلى مقام الظلم وتعدي الحق.
الأمر السادس:العلم بترتّبها عليه بذنبه:فإن لم يكن له ذنب كالأنبياء والرسل فلرفع درجاته.
الأمر السابع:أن يعلم أن هذه المصيبة دواء نافع ساقه إليه العليم بمصلحته:الرحيم به، فليصبر ولا يسخط ولا يشكو إلى غير الله فيذهب نفعه باطلاً.
الأمر الثامن:أن يعلم أن عاقبة هذا الدواء: من الشفاء والعافية والصحة وزوال الآلام ما لم تحصل بدونه، قال الله تعالى:]وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَالله يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)( سورة البقرة، الآية: 216.).
وقال عزوجل:]فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[( سورة النساء، الآية: 19.).
الأمر التاسع:أن يعلم أن المصيبة ما جاءت لتهلكه وتقتله: وإنما جاءت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبيّن حينئذٍ: هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه أم لا؟ وفضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
الأمر العاشر: أن يعلم أن الله يربي عبده على السرّاء والضرّاء:والنعمة والبلاء، فيستخرج منه عبوديته في جميع الأحوال(طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم، ص448-459، وانظر: زاد المعاد، 4/188-196، وعدة الصابرين لابن القيم، ص76-86.).
الأمر الحادي عشر: معرفة طبيعة الحياة الدنيا على حقيقتها:فهي ليست جنة نعيم ولا دار مقام، إنما ممرّ ابتلاء وتكليف؛ لذلك فالكيِّس الفطن لا يفجأ بكوارثها، ولله دَرُّ القائل:
إن لله عبادًا فُطَنا.... طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلمّا علموا.... أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا.... صالحَ الأعمال فيها سفنا
فالحياة الدنيا لا تستقيم على حال، ولا يقر لها قرار، فيوم لك، ويوم آخر عليك، قال الله تعالى:(إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُـهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ الله الَّذِينَآمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَالله لاَ يُحِبُّ الظَّالِـمِينَ[(آل عمران140).
الأمر الثاني عشر:معرفة الإنسان نفسه: فإن الله هو الذي منح الإنسان الحياة فخلقه من عدم إلى وجود، وأسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة، فهو ملك لله أولاً وآخرًا، وصدق لبيد بن ربيعة t القائل:
وما المال والأهلون إلا ودائعُ.... ولا بُدَّ يومًا أن ترد الودائع
الأمر الثالث عشر:اليقين بالفرج:فنصر الله قريب من المحسنين، وبعد الضيق سعة، ومع العسر يسرًا؛ لأن الله وعد بهذا، ولا يخلف الميعاد، وقال سبحانه:(إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ[(هود49).
وقد أحسن القائل:
ولرب نازلة يضيق بها الفتى.... ذرعًا وعند الله منها المخرجُ
ضاقت فلما استحكمت.... حلقاتها فُرجت وكنت أظنها لا تفرجُ
وقد وعد الله U بحسن العوض عما فات؛ فإن الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً، كما قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي الله مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ * الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[(سورة:41/42).
الأمر الرابع عشر:الاستعانة بالله:فما على العبد إلا أن يستعين بربه أن يعينه، ويجبر مصيبته، قال تعالى:(اسْتَعِينُوا بِالله وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لله يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[( سورة الأعراف، الآية: 128.)، ومن كانت معية الله معه فهو حقيق أن يتحمل ويصبر على الأذى.
الأمر الخامس عشر:التأسّي بأهل الصبر والعزائم: فالتأمل في سير الصابرين وما لاقوه من ألوان الابتلاء والشدائد يعين على الصبر، ويطفئ نار المصيبة ببرد التأسي، قال الله تعالى لنبيه r:]فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِل لَّـهُمْ[(الأحقاف:آية35).
الأمر السادس عشر:استصغار المصيبة:قال النبي r:((يا أيها الناس أيما أحدٍ من الناس أو من المؤمنين أصيب بمصيبة فليتعزَّ بمصيبته بي عن المصيبة التي تصيبه بغيري؛ فإن أحدًا من أمتي لن يصاب بمصيبة بعدي أشدَّ عليه من مصيبتي ))( ابن ماجه، واللفظ له، في كتاب الجنائز،).
الأمر الثامن عشر:العلم بأن الدنيا فانية وزائلة:وكل ما فيها يتغير ويزول؛ لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، وقد دلّ على ذلك فى الكتاب :
أما الأدلة من الكتاب، فعلى النحو الآتي:
1- قال الله تعالى: (وَلَوْلا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَـجَعَلْنَا لِـمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِؤُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَـمّــَا مَتَاعُ الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ )( سورة الزخرف، الآيات: 33 - 35.).
2-وقال الله تعالى:(إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(يونس:آية24)
3-وقال الله تعالى:(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)(الكهف:آية45)
4-وقال الله تعالى:]وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا ۚ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[ (القصص:آية60)
5-وقال الله تعالى:]تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا ۚ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[(القصص:آية83)
6-وقال الله تعالى:] ۚ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ[(القصص:آية88)
7-وقال الله تعالى:]فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ[(الشورى:آية36)
8-وقال الله تعالى:]وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ۖ وَلَلدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ[ (الأنعام:آية32)
9-وقال الله تعالى:]وَمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ ۚ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[ (العنكبوت:أية64)
10-وقال الله تعالى:] اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ[(الحديد:أية20)
11-وقال الله تعالى:(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26)وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (27)[(الرحمن:26-27)
12-وقال تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون:( يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَار[ِ (غافر:آية39)