الحمد لله رب العالمين له النعمة و له الفضل و له الثناء الحسن، صلوات الله البرالرحيم و الملائكة المقربين على نبينا محمد أشرف المرسلين و على جميع إخوانه منالنبيين و المرسلين و على ءاله الطاهرين. اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً و أنتتجعل الحزن إذا شئت سهلاً، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، اللهم يا مقلب القلوبثبت قلوبنا على دينك، أما بعد:
الكذب خصلة ذميمة وصفة قبيحة وعمل مرذول وظاهرةإجتماعية انتشرت مع الأسف في
أوساط الكثيرين، في المنتديات والمجالس والعلاقاتوالمعاملات وقلَّ أن يسلم منه الصغير والكبير والذكر والأنثى، والناس فيه بين مقلومستكثر إلا من رحم الله.
حتى كاد الكذب أن يكون بضاعة التجار والأزواج والأولادوالزيجات والكتاب والإعلامين وأهل الفن ويكاد الواحد لايعرف صادق ولو وجده عاملهعلى حذر لكثرة الكذابين، وتعريف الكذب في شرع الله هو كل كلام مخالف للحقيقة سواءكان مزحاً أو جد أو على غضب، والكذاب آثم وعواقب الكذب خطيرة على الفرد والمجتمعوالكذب دليل على ضعف النفس وحقارة الشأن وقلة التقوى، والكذاب مهين لنفسه بعيد عنعزتها، فالكذاب يقلب الحقائق، فيقرب البعيد، ويبعد القريب، ويقبح الحسن، ويحسنالقبيح، قال صلوات الله وسلامه عليه محذراً من الكذب ومما يؤدي إليه: "وإياكموالكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذبحتى يكتب عند الله كذاباً" وكم من كذبة أوقعت بين الناس عداوة وبغضاً وكم من كذابفقد الناس الثقة به وعاملوه على خوف وعدم ثقة، والكذب أنواع وأشده الكذب على اللهتعالى كالذي يفترى على الله الكذب فيحل ما حرم الله أو يحرم ما أحل الله قال اللهسبحانه وتعالى: وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ ٱلْكَذِبَ هَـٰذَاحَلَـٰلٌ وَهَـٰذَا حَرَامٌ لّتَفْتَرُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ إِنَّٱلَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ [النحل:116] وقالالله تعالى: ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب أو كذّب بآياته إنه لا يُفلِحالظالمون [الأنعام:21].
فمن أشد الكذب أن يقول الشخص فتوى أو حكماً ويدعي أنالله قاله أو أحله كالذين ينشوءن كلمات سخيفة ويدعون أنها من كلام الله ولو كانمرادهم الضحك والمزاح فهؤلاء كذبوا على الله قال تعالى: إنما يفتري الكذب الذين لايؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون [النحل:105] وكالفتاوى الكاذبة التى تحرض علىقتل النفس التى حرم الله و ادعاء أن طرق الجنة تمر من هنا وهناك، ونسبة ذلك إلى شرعالله تعالى وكثير ما يفترى البعض أحاديث لاصحة لها وينسبونها إلى رسول الله صلىالله عليه وسلم وهذا أيضاً من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ادعوا أنفيها تشجيعاً على الخيرات فإن في كلام رسول الله ما يكفي للترغيب في الخيرات وفعلالمبرات ولاحاجة للكذب على لسان رسول الله كقول البعض إن الرسول قال من يعمل أو يقلكذا فله كذا من الحسنات فقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن كذباً علي ليسككذب على أحد من كذب علي متعمداً فليتبؤ مقعده من النار" فليحذر من التكلم على لسانالنبي بغير علم ومعرفة وتحقق .
فإما أن يتعلم الإنسان الأحاديث الصحيحةالثابتة عن النبي أو أن لايتكلم فيما لاعلم له به، ومن الكذب المحرم الكذب لإضحاكالناس ولو ما زحاً فقد ورد "لايصلح الكذب في جد ولا في هزلٍ" لأن من كذب مازحاً كذبجاداً وربما جر الكذب في المزاح إلى إيذاء أو غيبة أو انتقاص للغير وقد يؤدي إلىإدخال الرعب لقلب المكذوب عليه من القول له أن مصيبة حصلت لأهلك أونحو ذلك فيقعالرعب في نفسه والشرع حذر من إدخال الرعب إلى قلوب المؤمنين وجاء فيه "المرعبون فيالنار" لأن الذي يرعب إنسان ولو قال له بعد ذلك كنت أمازحك فقد أنزل به الضرروالخوف و هذ ليس من صفات الأبرار ولا من فعل الصادقين ومن أراد المزاح فليمزح بمالاكذب و لا ضر فيه، ومن مظاهر الكذب المتعددة الكذب والتملق لأرباب الثراء وأصحابالمناصب، فمن الناس من يتزلف لهؤلاء ويمدحهم بما ليس فيهم ويخلع عليهم صفات لايستحقونها، بل وينشئون فيهم الأشعار والقصائد مع علمه بأنهم أقل من ذلك وأنهم لايستحقون ما أضفي عليهم.
ومن مظاهر الكذب البشعة الكذب على الأولاد، فكثيراًما يكذب الوالدان على أولادهما الصغار رغبة في التخلص منهم أو تخويفاً لهم كي يكفواعن العبث واللعب أو غير ذلك وكثيراً ما يطلقون كلمات خبيثة في الكذب كقولهم إن فعلتكذا الله يخنقك أو يعذبك وهو تكذيب للشريعة أيضا إذ أن المقرر عند المسلمين أنالولد الذي دون البلوغ غير مكلف ولاعذاب عليه فيما يعمله قبل البلوغ، ولا شك أن هذهصورة سيئة وقدوة أسوأ وإهمال في التربية والتوجيه، فينشأ الولد على ذلك وقد تلقنالكذب من أمه وأبيه ثم يطالب أن يكون صادقاًزد على ذلك ما اشتهر من الكذب في البيوعوالعقود وما يتعلق بالأموال، وليحذر من ما أشتهر بكذبة أول نيسان وما فيها من تشجيععلى الكذب، وأبشع من قول الكذب إستحلاله والظن أنه يسامح فيه في الهزل أو في أولشهر نيسان لأن من يدعي حل الكذب على الإطلاق أو في يوم معين كأول نيسان فقد أحلأمراً حرمه الله ومعلومُ حرمته بين الناس فمستحل الحرام كمحرم الحلال و نص الفقهاءأن من أحل حراماً معلوماً من الدين بالضرورة أي لايخفي علمه على عامة الناسوعلمائهم فقد كذب الشرع ومن كذبالشرع فقد كفر فليحذر من هذه العادة القبيحة التىانتشرت بين الناس، وليعلم أن الكذب في مثل ما ذكرنا كله قبيح وليس هناك كذب أبيض أوأسود كما يهون ويلون البعض الكذب بأن هناك كذبة بيضاء ومتى كان الكذب أبيض وهو الذييتبرء منه ويتهرب منه من هو فيه لو قلت للكذاب أنت كذاب لقال لايكفي خزيفي الكذب أن يتهرب من كان فيه وأن لايوسم بالكذب إلا الأراذل من الناس ولذلك نزهالله تعالى وعصم أنبيائه الكرام عن الكذب ليكونوا أسوة لغيرهم صلوات الله عليهمأجمعين .
ومما يؤسف له ذهاب الصدق في هذه الأزمنة وكثرة الكذب في الأعموالأغلب، فما أقل من يصدق في حديثه، وما أقل من يصدق في علاقاته ومعاملاته ووعودهوما أحوجنا أن نصدق ونتحرى الصدق {وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} {33} الصدق نور ونجاة وثقة، والكذب شيمة أهل النفاقوطريق قصيرة يفضح الكذاب ويمقت ولوتستر بالكذب جاء في الحديث أن النبي صلى اللهعليه وسلم قال: " آية المنافق ثلاث: إذا حَدَّث كَذَب، وإذا وعَد أخلف، وإذا أؤتُمنخان" فالكذب من صفات النفاق كما الصدق من أمارات الفلاح للمؤمن في الدنيا والأخرةقال عليه الصلاة والسلام : "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإنالرجل ليصدق حتى يُكتبَ عند الله صديقاً" فلنتحرى الصدق في القول والفعل لنفلح فيالدنيا والأخرة.